تأسس في 22 مايو 2012م
هلال .. منصة وتابوت...!
2019-10-05 | منذ 4 سنة    قراءة: 6505
 محمد البحري
محمد البحري

 ترك هلال علي الحاج لاعب المنتخب اليمني للكونغ فو كوما من الميداليات الملونة وكؤوسا داخل (دولابه) الصغير في غرفته بمنزله الكائن في عاصمة السعيدة صنعاء، كان يرتب أحلامه بأمل في بلد نهشته الحرب، لقد نشأ رياضيا يجيد الفوز بالبطولات أينما أرتدى شجاعته وقفازه.

مالذي تبقى..؟ سؤال تردد في ذهنه كثيرا.. لقد أوقفت الحرب على اليمن كل شيء، يستعرض شريطا لمنشآت رياضية تدمرت، صالات كان يرتادها ليمارس رياضته المفضلة تحولت إلى ركام، صادرت الحرب متنفسه المعنوي وانكمشت عائدات الرياضة اليمنية بعد أن تناثرت محافظات اليمن كشظايا البلور المكسور..

ينظر هلال إلى سلسلة إنجازاته التي كان على صداها يتردد النشيد الوطني لليمن معلنا رؤية هلالها متوشحا بالعلم والألقاب، مالذي يمكن أن تقدمه له تلك البطولات وهو يصارع ضيق الحال دون حلبة وحكم عادل.

البلاد التي انقسمت على نفسها لم تنصف تاريخها الضارب في أعماق التاريخ، فكيف لوطن يتلوى من الألم والنفاق أن ينصفه..؟

تاهت الحكمة في دهاليز تجار الحروب، وتقاتل الأرق أفئدة بضراوة وجرف طوفان الدم كل الأحلام الوردية ومشاعر الأمان.. "سأرحل" هكذا قفزت الفكرة إلى رأسه بعد حيرة ليال طوال، نعم سأرحل فما جدوى البقاء في بلاد لم تعد تفرق بين البطل والمحتل، الرياضي والمختل.

قرر هلال الانسان والرياضي أن يبحث عن أرض يكتمل فيها قمرا، لا يهم ماذا سيمتهن، مدربا، عاملا، أي شيء أي شيء، فالبقاء هنا جحيما لا يطاق.

أي مشاعر كانت ترتاده وهو يقرر الرحيل عن وطن بذل من أجله الكثير ليرفع اسمه بين الأمم من بوابة الرياضة، يجتر قدميه مثقل بحزن يشق الفؤاد، أهكذا أجازى..؟

استلهم هلال قصص نجاح لأبطال أدركوا مبكرا أن جزاء سنمار هو مصيرهم، فغادروا اليمن ليصنعوا روايات نجاح في بلاد الله الواسعة، سأكون مثلهم، هكذا أقنع هلال نفسه وأسرته وأصدقائه.. لكنه أغفل مؤقتا طريقة الوصول بعد أن استسهل الخروج.

مثله مثل آلاف المعجونين بالقهر .. الممزوجين بالآلام ودع أقاربه.. جيرانه وأحبابه ومضى البطل تاركا منصة القرابة والتتويج معا لتلوح له أوروبا كوجهة سفر سيدخلها ولو كان مرشده في الطريق عزرائيل ذاته.

من بلد المليون شهيد التي زادت شهيدا (الجزائر) كان هلال ومعه ثلة من المهاجرين يغازلون (قاربا) لا يعلمون أن قائده "قرصان"  موت، يعتقدون أنه سيصل بمن يبحثون عن حياة كريمة إلى أرض تختلف لغات سكانها بينما تتوهج قلوبهم حياة وتعايش.

لم يكن يعرف ابن اليمن وبطلها أنه حجز أخر أنفاسه وكل أحلامه على متن الفناء.. كان يعرف أن البحر غدار لكنه توقع أن يرأف بهم البحر بعد أن أغرقهم البشر أوجاعا.

البحر  هو البحر ميزته يا هلال الوحيدة أنه منحك حياة في جنات عدن تجري من تحتها الأنهار.. للبحر ميزة اختيار الطيبين يا نجم اليمن بمنحهم حق "الشهادة" لقد حملك "المتوسط" إلى الأعلى، حيث وجه الله الكريم شهيدا.

فزت يا هلال وأنت حيا ترزق في دنيا فانية ..وفزت وأنت ترحل إلى أخرى باقية بجنة عرضها السموات والارض.. هذا هو الفوز الكبير والتكريم الأخير. أثق بأن رسالة رحيلك من بلادك إلى الموت.. هي قصة مأساة بدأت بمنصة تتويج خشبية وأنتهت بتابوت خشبي..

  "من المنصة إلى التابوت" رسالة تقول: أوقفوا الحرب على اليمن أوقفوا الموت عن أبناء اليمن مالذي فعله هلال اليمن بكم لتدمروه رياضيا.. وتقصفوا منشآته وتغتالوا آماله وابتسامته..

أيها العالم.. لسنا بحاجة إلى "قوارب" لنغامر بحياتنا هربا من حقدكم وناركم.. كل ما عليكم فعله أن تكفوا أيديكم عنا لنعيش .. لا أقل ولا أكثر.. عن البطل "كان أفراد المنتخب يمازحوه إذا خسر نزالا ويصفونه بالخاسر " يبتسم ليفقدهم لذة النيل منه،  إلا أنا كنت أقول له أنت بطل كنت قويا لولا الحظ.

هكذا يتحدث نجم المنتخب الوطني في الكونغ فو يوسف الخضري عن زميله الراحل هلال.

ويضيف: كان يقول لي بأن شهادتي تكفيه، وتتواصل البطولة وينير هلال ذهبا.. لقد كان مثالا للرياضي الملتزم بتمارينه ومشاركاته المحلية والخارجية، فيما كان خارج حلبة النزال يتعامل مع الجميع بحب وود لتكسبه أخلاقة شعبية جارفة وتصبغ عليه شخصية "ابن البلد"..  الأسد الذي يقاتل في البطولات هو ملاك خارج التنافس ورجل مواقف.. والحديث ليوسف.

ويواصل الخضري: كان الشهيد قبيل كل مشاركة يحمل هم الوطن في قلبه، قمة سعادته عندما يتوشح علم اليمن بطلا، لاشيء يضاهي تلك الفرحة التي كان يشعر بها.. قبل خمسة أيام من اليوم المشؤوم، كان المنشور الأخير الذي زين به الفقيد هلال الحاج صفحته على "انستجرام" صورة له وهو يفتح ذراعيه ممسكا بعلم اليمن الأحمر والأبيض والأسود، لا يعرف أن الأقدار ستأخذ من رأيه اليمن السعيد لونها الاسود لتلون قلوبنا بالحزن والكمد على فراقه..

هكذا ختم رفيقه في الحياة والرياضة يوسف الخضري كلامه عن شهيد خالد.. دمرت الحرب آماله ولا نعلم من التالي...؟



مقالات أخرى للكاتب

  • ناشئونا بين الدجاج والفلافل..!
  • الناشئون.. زخم أقل
  • شعب إب.. زلزلة عاتية ..! بحرور

  • التعليقات

    إضافة تعليق