تأسس في 22 مايو 2012م

زيدان وجوارديولا هل تنجح الفلسفة أم الواقعية

تقرير / باسل الدبعي
2020-08-07 | منذ 4 سنة

زيدان وجوارديولا من يكسب الرهان

بعد قرابة خمسة أشهر من توقف أشهر البطولات الكروية على مستوى العالم (دوري أبطال أوروبا) بسبب جائحة كورونا والتي اكتسحت المشهد العالمي ونالت ارتداداته من استمرارية الجلد المدور على الملاعب العالمية منذ أبريل الماضي، تعود عجلة البطولة الأوروبية إلى الدوران لاستكمال مباريات إياب الدور الثاني من دوري أبطال أوروبا، والتي تشهد مواجهات نارية تجمع بين ثمانية فرق يسعى كل واحد منهم إلى حجز بطاقة التأهل لدور ربع النهائي رفقة أندية ( باريس سان جيرمان وأتلانتا وأتلتيكو مدريد ولايبزيغ الألماني). حيث تترقب الجماهير مواجهة نارية بين (مانشستر سيتي) الذي يخوض المباراة على أرضه، بعد انتصاره ذهابًا خارج ميدانه بنتيجة (2-1)أمام صاحب الرقم التاريخي في عدد البطولات (ريال مدريد)، والذي يدخل المباراة مطالبًا بالانتصار بفارق هدفين لضمان التأهل للربع النهائي، بيد أن المباراة في حسابات الربح والخسارة تصبح مستحيلة التكهن وغير قابلة للقياس، وهي التي تشهد مواجهة 2 من أفضل مدربو العالم خلال العقد الأخير، وهو ما يضع المراقبين ومتتبعي الكورة حول العالم في حالة ترقب لمعرفة ما ستؤول إليه نتيجة المباراة والتي اعتاد معها كل من جوارديولا وزين الدين زيدان في رسم صورتي اعتادت عليها الجماهير، أحدهما لعبور الأدوار الاقصائية براية الغلبة والانتصار والأخرى صورة لهزيمة قلما تجد لها تبريراتها في حسابات المشجعين الذين يعتبرون الهزيمة خراب ديار.   

 
في مواجهة مدريد الواقعية أفضل:
أثبتت المواجهات السابقة التي خاضها بيب جوارديولا أمام ريال مدريد منذ خروجه عن برشلونة بأن الاعتماد على الفلسفة الواقعية هي الأكثر نجاعة أمام خصم مثل ريال مدريد، فجوارديولا مدرب يعرف العالم أجمع بأنه صاحب رؤية خاصة وفلسفة تدفعه في بعض الأحيان إلى الوقوع في أخطاء كثيرة – خصوصًا- أمام الفرق التي تعتمد على السرعات والارتداد الهجومي عبر الأطراف مثل ريال مدريد، ومع تغيراته المستمرة في مراكز اللاعبين والمداورة بين المراكز داخل أرضية الملعب في أكثر من مباراة حاسمة – خصوصًا- في مباريات الأدوار الاقصائية من دوري أبطال أوروبا، وضع جوارديولا نفسه أمام مدفع الاتهامات بأنه " مدرب لا يجيد قراءة الخصوم " حسب تصريحات لبعض مسؤولي النادي البافاري ( بايرن ميونيخ) في العام 2014 بعد هزيمته ذهابًا وإيابًا أمام نادي ريال مدريد بنتيجة ثقيلة 5-0 في مجموع المباراتين.
ففي كثير من الأوقات رجحت الكثير من الجماهير والتوقعات كفة جوارديولا في غالبية المباريات التي خاضها رفقة الأندية التي دربها، غير أن فلسفته التي اتسمت بالجنون في بعض الأحيان وغياب المرونة في أحيان أخرى، دفعته إلى خسارته لكافة الرهانات التي خاضها منذ خروجه من برشلونة في العام2012، ففي العام 2018اعتمد جوارديولا على فلسفته المعهودة في فتح الملعب والضغط على الخصوم في مناطقهم وتكثيف خط الوسط بالدفع بالمدافعين إلى النصف الأول من الملعب، غير أنه وقع في فخ المساحات المتروكة خلف المدافعين؛ ما دفع بفريق ليفربول إلى استغلالها كليةً والتمكن من تسجيل ثلاثة أهداف خلال 30 دقيقة من الشوط الأول – خصوصًا- مع وجود خصم يتمتع لاعبيه بسرعات خيالية أمثال صلاح ومانيه وأرنولد وروبيرتسون. ذات الأخطاء المتكررة في مواجهات جوارديولا لخصومه في دوري الأبطال – على الرغم من الكورة الممتعة التي يقدمها- ما تزال جارية على السطح وتثير الضجيج وقلق الأنصار، فالمساحات ليست وحدها هي خطيئة جوارديولا الأزلية بل، إن مداوراته بين اللاعبين في أوقات تتطلب الثبات والحزم كانت واحدة من تعزيزات فشله في المواجهات الاقصائية منذ خروجه من برشلونة. ففي لقاء بايرن ميونيخ وريال مدريد في العام 2014 ومع اعتماده على رافينيا في مركز الظهير الأيمن بدلاً لفيليب لام الذي تحول إلى الارتكاز؛ استطاع الريال تسجيل ثلاثية خلال نصف ساعة مستغلين فلسفة جوارديولا التجريبية في قطع خالها من الحكمة بيد أنها كانت الهلاك بعينه.
ومع اقتراب مواجهة ريال زيدان الذي عرف عنه واقعيته ومرونته التكتيكية، يعود جوارديولا لمواجهة ريال مدريد الذي يمتلك أمامه تاريخ ناصع وحافل بالانتصارات كلاعب ومدرب، ومعززًا بدروس تعلمها من مواجهات سابقة معه، أثبتها في مباراة الذهاب وبنصيب من التجارب التي مكنته من إعادة ضبط فلسفته الأقرب إلى الميتافيزيقيا منها إلى الواقعية والتي مكنته من الخروج بنتيجة 2-1 في مباراة الذهاب وهي الفلسفة التي من المرجح أن تتوجه بلقب البطولة مع فريق مدعم بلاعبين من صفوة العالم وبحلم مؤجل منذ عهد الطفرة لمانشستر يونايتد وبداية العقد الجديد.  


مباراة الذهاب الدليل الأكمل:
في مباراة الذهاب دخل بيب جوارديولا بتشكيلته الأساسية وبأفضل اللاعبين المتاحين، غير أن ما لم يكن متوقع هو تخلي جوارديولا عن فلسفته المعهودة في اللعب بشكل مفتوح وبخط دفاع متقدم ضمن مقولة " أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم". حيث دخل المباراة بشكل أكثر واقعية واتزان أمام خصم يعرف جيدًا كيف يستغل ثغراتك الدفاعية واختراق الأطراف والتي تعتبر قوة ريال مدريد خلال المواسم الخمسة الأخيرة، ومع وجود أجنحة تتمتع بسرعات فنية وظهيران يجيدان المساندة الهجومية والدفع بالكرات العرضية إلى منطقة الخصم. حيث يحسب لجوارديولا في المباراة السابقة تخليه عن فلسفة الاستحواذ على الكورة والهجوم بشكل كلي رغم سطوته النسبية عليها في اغلب فترات المباراة، غير أن تكثيفه لخط وسط الملعب مع وجود لاعبين ذا مهارة عالية أعطت الحرية أكثر لأخطر لاعبي الفريق ( ديبروين) منحته الأفضلية في معظم فترات اللقاء وهو ما يعني أن مباريات مثل هذه لا تحتمل التعويض وفرص العودة فيها تكاد تكون منعدمة إلا في حالات استثنائية نجح جوارديولا ذهابًا من خلال اقعيته التي لعب فيها لأول مرة منذ توليه تدريب أندية اوروبية بعد برشلونة.
هذه الواقعية سيكون مطالبًا بها جوارديولا في الغد، من خلال اللعب بتوازن بين الخطوط يسعى من خلالها إلى امتلاك الكورة وحرمان الخصم منها واستغلال الفرص المتاحة دون عجلة ومحاولة الاستفادة من الثغرات التي سيتركها ريال مدريد خلفه وخروجه من مناطقه -خصوصا في الشوط الأول- الذي سيضطر معه ريال مدريد للهجوم على أمل الحصول على هدف مبكر في محاولة للعودة في المباراة.  
وتكتسي هذه المواجهة بخصوصية عن باقي المباريات إذ يتواجه فريقان الأول يمتلك سجلًا هجوميًا هو الأقوى في العالم خلال الموسم برصيد 102 هدف، في حين ريال مدريد يدخل اللقاء بقوة دفاعية أكبر هي الأفضل في الدوريات الخمس الكبرى وبشباك تلقت 25 هدفًا خلال الموسم الحالي.  


المواجهات السابقة والفلسفة العدمية لجوارديولا:
في الكثير من مباريات دوري الأبطال وأدواره الاقصائية تكون مسألة الفاعلية والذكاء في إدارة المباريات أهم من مبادئ الفريق واسلوب مدربه وأكثر فاعلية، غير أن جوارديولا في كثير من الأحيان أوقعته فلسفته في فخ العدمية وأخرجته من غمار المسابقة خلال 5 مواسم سابقة مع كل من بايرن ميونيخ ومانشستر سيتي.
ففلسفة جوارديولا التي تعتمد السير إلى الأمام دون الاستفادة من ذات التجربة التي أخرجته في كل مرة، كانت قد سجلت تاريخًا مليئًا بالهزائم غير المستحقة – حسب وصف- المراقبون والنقاد، ففي كل المرات التي ودع فيها جوارديولا البطولة كان هو الأفضل والأكثر متعة على أرض الملعب غير أن أخطاء وتفاصيل صغيرة متكررة هي السبب الأول في حدوث الهزيمة مثل: اللعب المفتوح، الدفع بالمدافعين إلى النصف الأول من الملعب، ترك الفراغات الدفاعية وغياب الصلابة الدفاعية، تلقي أهداف مبكرة وغياب اللاعب الحاسم كما كان الحال مع برشلونة بوجود لاعب مثل ميسي، كلها عوامل تسبب في المحصلة بالنتائج التالية، ففي العام 2014 ودع البطولة أمام ريال مدريد بنتيجة 5-0 ذهابًا وإيابًا، وفي العام 2015 الخروج بنتيجة 5-3 ذهابًا وإيابًا أمام برشلونة، والتعادل 6-6 أمام موناكو في العام 2017 مع أفضلية الأهداف خارج الأرض لصالح موناكو، وفي العام 2018 الخروج المذل أمام ليفربول  5-1 بنتيجة المباراتين وأخرها الخروج أمام توتنهام في العام الماضي.


شخصية زيدان ودافعية البطل قد تقلب الطاولة:
على مدى 4 أعوام قضاها زين الدين زيدان مع ريال مدريد استطاع اعادة كتابة تاريخ كروي جديد مع ريال مدريد صاحب الثقافة الأعرق أوروبيًا والأعلى تتويجًا باللقب على مدى تاريخ البطولة ب 14 لقبًا، ففي ظل قيادة زيدان لريال مدريد استطاع بناء شخصية متفردة وقوية للفريق خلال المنافسات الأوروبية والتي مكنته من حيازة لقب البطولة لثلاثة مواسم متتالية في سجل هو الأطول في تاريخ البطولة، وعلى الرغم من خسارة ريال مدريد لمواجهة الذهاب قد يتمكن ريال مدريد بتاريخه وبشخصية زيدان وبصمته الفنية والتكتيكية قلب الطاولة على مانشستر سيتي والتأهل على حسابه.
فزيدان ومنذ توليه لقيادة فريق ريال مدريد استطاع أن يضع بصمته وشخصيته الانتصارية والتي انعكست على اللاعبين في معظم فترات المواسم الأربعة التي درب فيها الفريق، إذ يمتلك سجلًا يصعب الإفلات من الإعجاب به، ففي رصيده لقب كل 19 مباراة و11 لقب في المحصلة الجمعية للفريق.
عوامل عديدة تجعل من الصعوبة الجزم بأن حظوظ ريال مدريد أقل من خصمه مانشستر سيتي – خصوصًا- مع تأخره بهدفين لهدف على أرضه، فزيدان عرف بصلابته الفنية، ومرونته وذكاءه التكتيكي، ونجاحه في قراءة الخصوم، والتي مكنته في أكثر المواجهات صعوبة من الخروج منتصرًا.


التاريخ يمكن أن يصبح فخًا:
تشهد المواجهة صراعًا من لون آخر بين مدربين كل منهما يمتلك سجلًا حافلًا بالانتصارات، فبين ريال مدريد المتوج ب 13 لقبًا أوروبيًا أشبه بالمعجزة، وبين فريق حالم يعيش طفرته الأولى بحثًا عن لقبه الأوروبي الأول، ثمة مواجهة من نوع أخر بين كل من بيب جوارديولا الأكثر فوزًا على ريال مدريد في القرن ال21 والعشرين والذي يواجه الريال للمرة ال 18 فاز في 10 منها وتعادل في 4 وخسر مثلها، وبين زيدان الذي يمتلك لقبًا كل 19 مباراة وبفريق لم يخسر من قبل أمام السيتي إلا في مواجهة واحدة خلال 5 مواجهات رسمية، فهل يسعف التاريخ كل منهما أم يصبح التاريخ فخًا وسحبًا ترضع منها الجماهير حليب تسليتها.


آخر الأخبار