تأسس في 22 مايو 2012م

الخطايا الستة لفريق برشلونة وأسباب الانكماش

تقرير / باسل الدبعي
2020-08-04 | منذ 4 سنة

منذ إعلان مدرب فريق برشلونة بيب جوارديولا رحيله عن النادي في العام  2012 وتورط رئيس النادي ( ساندرو روسيل) في فترة لاحقة في قضايا التهرب الضريبي والتلاعب المالي، شهد برشلونة الكثير من محطات الصعود والهبوط والتخبط وتلاشي الرؤية الواضحة على كافة الأصعدة، بعد أن شهد الجميع ميلاد أسطورة كروية كانت بمثابة النجاح الأمثل في عالم الاحتراف اليوم، والتي أصبح معها مهمة استنساخها مشروع يستحيل الإمساك بخيوطه. بيد أن أسطورة الفريق الذي لا يقهر والذي عربد على ملاعب أكثر الخصوم شراسة واستعرض فوق رؤوسهم سداسية لم يحققها فريق من قبله ويستحيل أن تتكرر مستقبلا والذي كان على استعداد لجعل ملاعب الخصوم أنقاضا من أول جولة بات يعيش اليوم حالة من التراجع والتخبط والعشوائية، والتي اسفرت عن ضياع البطولات وفراغ من الألقاب القارية في ظل تواجد أفضل لاعبي العالم ( ليونيل ميسي)، غير أن هذا الانكماش أو ما يمكن أن نسميه بالكساد العظيم في تاريخ برشلونة خصوصا على مستوى المنافسات القارية لم يكون وليد الصدفة بل أن ثمة أخطاء عديدة ابتلعت الفريق دفعة واحدة.


 إدارة بلا رؤية ومشكلات متفاقمة :
عبر تاريخ برشلونة كله، كانت واحدة من أسرار قوة برشلونة هو نظامه الإداري، النظام الإداري الأقرب للاعبين والذي يتعامل مع النادي كقضية لا يمكن المساس أو الإضرار بها، وبفلسفة تخدم الفريق على المدى القريب والبعيد. غير أن هذه الفلسفة الإدارية تغيرت مع مرور السنوات والتداخل الحاصل بين المشاريع الكروية وسطوة المال عليها؛ خسر برشلونة الرهان في محطات كثيرة وأهمها المرحلة التاريخية للفريق والتي تشهد تواجد لاعب بحجم ليونيل ميسي في صفوفها. إذ تعيش الإدارة الحالية للفريق بقيادة (جوزيب بارتوميو) سلسلة طويلة من الاخفاقات المالية وتهم الفساد وافتقارها للقدرة على توفير بيئة حاضنة لنجوم الفريق والتفريط بلاعبيها أمثال نيمار الذي فشلت إدارة بارتوميو في الحفاظ عليه وتحصينه أمام المغريات المالية الباريسية، ناهيك عن سوء معاملتها للكثير من اللاعبين وافتقارها للدبلوماسية في تعاطيها معهم أمثال ( داني ألفيس ) والذي خرج بتصريح عقب رحيله عن الفريق في العام 2016 متهما فيه إدارة برشلونة ( بقلة الاحترام للاعب اعتبر على الدوام برشلونة بيته)، وبالطريقة ذاتها تعاملت ذات الإدارة مع لاعبها الشاب (أرثور ميلو) وتخلت عنه لصالح يوفينتوس في ظل رفض اللاعب مرارا لفكرة الرحيل عن النادي والذي أمضى معه عامين، متهما الإدارة بأنها هي من تخلت عنه وأنه لم يطالب إدارة النادي بتجديد عقده أو الزيادة في مطالبه المالية، كما أنه كان أول اللاعبين استجابة لإجراءات تخفيض رواتب اللاعبين في ظل جائحة كوروونا والتي عصفت بالكثير من الأندية ماليًا.
العقم الذي تتعامل معه إدارة النادي في التعاطي مع لاعبيها ليست سوى صورة واحدة من صور الإخفاق الإداري المتصلة ببعضها، فالنادي يعيش حالة من الابتزاز الموجه من قبل غالبية الأندية الأوروبية والعالمية في كل صفقة يرغب النادي في إبرامها، فالكثير من الأندية تتعامل مع الفريق كخزانة سحرية لجلب الأموال مقابل لاعبين بمستويات عادية وأقل من المتوقع بالنسبة لفريق بحجم برشلونة والشواهد كثيرة. فبرشلونة تعاقد مع لاعب مثل ديمبيلي وكوتينيو عقب خروج البرازيلي نيمار بمبالغ مالية ضخمة يمكن أن تصنع لفريق آخر ثورة في صفوف الفريق، حيث يقضي الأول ثلاثة أرباع العام في عيادة النادي وحضوره على الملعب لم يسد أبدًا ولو الجزء اليسير من الفراغ الذي تركه لاعب بحجم نيمار، في حين بقي كوتينيو في كثير من الأوقات في مرمى النقد الإعلامي والضغط الجماهيري والذي يدرك الجميع من البداية بأنه لا يمتلك أكثر من خاصية التسديد وأن المبالغ التي دفعت في سبيل التعاقد معه لم تكن أكثر من فشل جديد للنادي على مستوى التفاوض، والقائمة طويلة باللاعبين الذين تعاقدت معهم إدارة النادي وجميعها كانت أشبه بالإكراه والابتزاز المالي لفريق امتلك المال وبحاجة للتعويض، فأندريه جوميز، ولوكاس ديني، ودينيس سواريز وباولينهو وأرتورو فيدال جميعها صفقات إن لم تكن متضخمة ماليًا فأنها طاعنة في السن وتلك فلسفة لم يعهدها فريق برشلونة إلا في عهد بارتوميو.


كشافو بلا بصيرة وتعاقدات بلا مواهب:
 منذ رحيل تشافي وانيستا والبرازيلي داني ألفيس عن فريق برشلونة، أنفقت إدارة النادي الكتلوني مليار و 100 مليون يورو أملاً في تعويض رحيل لاعبين يعتبرهم الكثير من الناقدين والمحللين وخبراء كرة القدم بمثابة صانعي ثورة برشلونة، بل هناك من وصفهم " باللبنة الأساسية للانقلاب الكروي وصانعي الكرة الحديثة بمعية ليونيل ميسي وفيلسوف المدربين بيب جوارديولا"، لكن محاولات الجهاز الفني وإدارة بارتوميو في سد الفراغ الذي تركه هؤلاء اللاعبون كانت أشبه بالجحيم المتصاعد داخل أسوار النادي والذي أكل معالم الفريق ومحى صورته وأسطورته التي لا تقهر. ومع تقادم السنوات اتضح أن تعاقدات برشلونة- وخصوصاً- في وسط الملعب ومركز الظهير الأيمن والجناح الأيسر كانت وما تزال أشبه باللغز والدالة مستحيلة الحل، فالجهاز الإداري وكشافو الفريق وجدوا أنفسهم على مدى 5 سنوات في دائرة من الفشل المتنامي في تعاقداتهم والتي توجتهم بلقب ملوك الصفقات الفاشلة- خصوصًا- مع انحيازهم في تعاقداتهم للاعبين من الدوري الإسباني وغض الطرف عن مواهب كروية شابة تنشط في دوريات كروية عدة كان نصيب السيتي وباريس سان جيرمان والغريم ريال مدريد الجزء الأكبر منها، فتعاقدات برشلونة بدءًا من أندريه جوميز القادم من فالنسيا في صيف 2016 مقابل 35 مليون يورو، مرورًا برافينها الذي فضلت خيار الإبقاء عليه منذ وقت مبكر والتخلي في فترات سابقة عن شقيقه الأكثر موهبة تياجو ألكانتارا، واستعادة دينيس سواريز من فياريال، والتعاقد مع باولينهو القادم من الصين، واستقطاب لوكاس ديني من روما وهو اللاعب الذي ارتسمت حوله صور كثيرة لذكريات فرنسي آخر انتقل قسرًا من على المعشب الأخضر إلى داخل أروقة النادي الإدارية ( أبيدال)، وروبرتو الذي بدا غائبًا وبعيدًا ومصابًا بفتور المبادلة وغياب الاستقرار على مركز واحد في أرض الملعب، والتخلي عن اللاعبين صغار السن في الفريق وتهميش لاعبي اللاماسيا الذين ما إن غيبوا حتى غرق الفريق كسفينة ضخمة مقابل التعاقد مع لاعبين أصابتهم صروف الشيخوخة كفيدال وبيانيتش . وفي المقابل لم يكن الهجوم بمنأى عن هذا الفشل الفني للفريق فإنفاق النادي على لاعب مثل ديمبيلي والذي يقضي ثلاثة أرباع العام في عيادة النادي، ناهيك عن غياب الاحترافية لدى اللاعب وغياب الانضباطية تدفع بالناظر إلى حال برشلونة إلى التساؤل عن طبيعة ومنهجية المفاوضات التي يتبعها برشلونة في تعاقده مع اللاعبين، إذا ليس من المعقول أن يتعاقد برشلونة مع ديمبيلي وجريزمان مقابل 230 مليون يورو في حين أن غريمه استطاع التعاقد مع نخبة كروية في ذات الفترة أمثال هازارد وميليتاو وفيرلاند ميندي بمبالغ مالية أقل بكثير.      


استثمار في مدربين مغمورين:
 رحل جوارديولا في العام 2012 وترك خلفه جبال ضخمة من الإنجازات وخزائن ملأة بالألقاب، ثم ما لبث أن بدأت هذه الجبال بالذوبان كالجليد تحت وطأة الفراغ الفني الذي خلفه وراءه بيب جوارديولا. فمنذ رحيله عن الفريق لم يستطع أحد فهم الطريقة التي يفكر بها الجهاز الإداري للنادي في تعاقداته مع المدربين، وهو الفريق الذي كان بإمكانه البناء على تركة جوارديولا تماما كما حصل عند التخلي عن فرانك ريكارد، لكن برشلونة فضلت التعاقد مع مدربين مغمورين رغبة منه في استنساخ تجربتها مع جوارديولا، لكن فلسفتهم تلك أوقعتهم في شرك الخطايا وخسارة الألقاب لجيل لن يتكرر. فمن بين كل الأسماء التي تعاقدت معها برشلونة منذ العام 2012 كان لويس إنريكي ابن النادي هو الاستثناء الوحيد والذي استطاع إعادة رسم شكل الفريق على لوحة غائبة ومنسية، بفعل مدربون مغمورون وبلا رؤية حقيقية كتيتو فيلانويفا، وتاتا مارتينو، وفالفيردي الذي أضرم النار في الفريق كله متسببًا في إخراجه من دوري أبطال أوروبا لموسمين متتالين رغم تقدمه في نتيجتي الذهاب بثلاثة أهداف أمام روما وليفربول على التوالي، وصولًا إلى كيكي سيتين الذي يفتقد إلى الشخصية في فرض أسلوبه على الخصوم ورؤيته التكتيكية على اللاعبين داخل أرضية الملعب، فالكثير من اللاعبين أقوى منه داخل غرفة الملابس؛ ما ترك فراغًا كبيرًا يصبح من الصعب سده ما دام وأن رأس الفريق أقلهم قدرًا.


 الجهاز الطبي واستدامة الإصابات في الفريق:
 على مدى 3 سنوات وأكثر وصفت عدد الإصابات التي تعرض لها لاعبي الفريق الأول "بالطاعون الذي ضرب لاعبي فريق برشلونة"، والسبب الرئيسي في ذلك لم يكن كثافة المباريات ولا قسوة النزالات الكروية التي يخوضها الفريق، فالدوري كان يحسم في أغلب فتراته قبل انتهاءه بجولات عدة، كما أن سيطرة برشلونة على الدوري المحلي في آخر عشر سنوات تعبر عن الحالة الصحية والتنافسية للفرق الأخرى في الليجا الإسبانية، والحال ذاته بالنسبة لكافة البطولات المحلية، إذ انحسرت المنافسة فقط على البطولات الخارجية والتي خسرها برشلونة جميعها في آخر أربع سنوات، ما يؤكد أن واحدة من أسباب توهان برشلونة وانكماشه -خصوصا- في المراحل الحاسمة من المباريات والبطولات الأوروبية كان جهازه الطبي الذي كشف عن ضعف في معالجة الحالة البدنية والصحية للاعبين، فالفريق الذي يصل به عداد الإصابات إلى خسارة 9 لاعبين دفعة واحدة خلال فترات موسم 2019 يدلل على مدى بساطة الجهاز الطبي للفريق وتواضع إمكانياته، ناهيك عن خسارة سواريز خلال العام الجاري لأكثر من 4 اشهر، وهو الذي يعاني من مشاكل في ركبته منذ أكثر من عام إلى جانب تير شتيجن الذي من المتوقع إجراءه لعملية في ركبته بعد نهاية المنافسة الأوروبية مباشرة والذي من المتوقع غيابه عن الملاعب لثلاثة أشهر، وحالة اللاعب الفرنسي ديمبيلي الذي ووفقاً للأرقام فإن " ديمبيلي منذ قدومه لبرشلونة خاض 67 مباراة وغاب عن 46 مباراة بداعي الإصابة" وهو رقم كبير   خصوصًا وأن الكثير من الآمال كانت قد عقدت عليه لتعويض رحيل نيمار.
الأرقام ليست وحدها من يدلل على ضعف الجهاز الطبي للفريق، بل إن الحالة البدنية المثالية للاعبي فرق أوروبية أخرى أمثال الغريم ريال مدريد تبين ذلك، فالريال لعب لثلاثة مواسم متتالية بذات التشكيلة واستطاع الحصول على لقب دوري أبطال أوروبا لثلاثة مواسم متتالية خلال الأعوام 2015-2017 دون أن ينعكس الاجهاد البدني على الحالة البدنية والصحية للفريق ما يدلل على وجود خلل في طبيعة الجهاز الطبي لفريق برشلونة.     

مواهب اللاماسيا صفقات مجانية
 اللاماسيا خارج الحسابات وسوق لبيع المواهب:
 على مدى سنوات طويلة ومنذ حقبة كرويف وصفت اللاماسيا " بالمنجم الذي يدر ذهبًا على برشلونة " لكن، مع وصول بارتوميو لرئاسة النادي تخلى برشلونة عن مبادئه وقيمه التي تعتبر المواهب القادمة من اللاماسيا هي مصدر قوة الفريق. فمنذ وصول بارتوميو لرئاسة النادي تخلت برشلونة عن كثير من المواهب الشابة إما بالبيع بأسعار رخيصة الثمن أوتبديد ثروة كروية بالتخلي عنها بالمجان معتمدة في الوقت ذاته على التعاقدات الخارجية والتي كلفت النادي خلال ثلاث سنوات ماضية 340 مليون يورو على لاعبين لم يقدموا الإضافة المرجوة، في حين تخلت عن كثير من اللاعبين الشباب، أمثال أداما تراوري الذي ينشط مع فريق وولفرهامبتون الإنجليزي، وتشافي سيمونز الذي انتقل لباريس سان جيرمان بالمجان وهي الصفعة الثانية تواليًا التي وجهها النادي الباريسي لبرشلونة بعد صفقة نيمار، مرورًا بألينيا المعار إلى ريال بيتيس والذي تم التخلي عنه مقابل إعطاء الأولوية للاعبين مثل فيدال وكوتينيو، وصولًا إلى مونشو المراقب اليوم من قبل فريق ساسولو الإيطالي، وكوكوريلا المعار إلى فريق خيتافي والذي يقدم مستويات مبهرة والذي ذكرت عدد من التقارير اهتمام ليفربول باللاعب. هذه الفلسفة الجديدة تعتبر واحدة من الأسباب الرئيسية اليوم لتراجع الفريق الكتلوني والتي لم تعجب كثير من المراقبين وأساطير النادي الذين يؤكدون بشكل مستمر على ضرورة العودة إلى فلسفة النادي الأولى والتي مكنته من تحقيق عديد الإنجازات.


 
اللعب بروح انهزامية وأسطورة 2009:
 يقال على الدوام بأن: " امتلاك روح الانتصار قد تغلب الموهبة " وربما تلك واحدة من أهم عوامل نجاح برشلونة على مدى تاريخه، فبرشلونة اعتاد منذ بداياته على اللعب بروح ثورية تعتبر الهزيمة عار والنصر هدف لا يمكن التخلي عنه، بيد أن الصورة التي بدا عليها برشلونة في أخر ثلاث سنوات كانت انهزامية بامتياز خصوصا مع وجود مدرب مهزوز الثقة، ومقطوع الرأس جعل منه محل تندر وسخرية من قبل جماهير النادي حول العالم، إلى جانب وجود إدارة ضعيفة وبلا شخصية حقيقية جعلت منها محل ابتزاز لكثير من الأندية ماليًا، وغير قادرة على تثبيت فكرتها التي تعتمد عليها في بناء الفريق.
ففالفيردي لم يكن معتادًا على التدريب والعمل تحت ضغط مطالب جمهور وفريق بحجم برشلونة، كما أنه في أكثر من موقف كشف عن شخصية فاقدة للثقة وتتسم بالبرود حتى في أشد اللحظات ازدحامًا بالجنون. فالفريق تحت إمرة فالفيردي ووفقًا لنتائج الفريق الخارجية كانت نتائج الفريق هي الأكثر إيلامًا في تاريخ النادي، فالخروج أمام روما وليفربول في إياب دوري أبطال اوروبا تواليًا لعامي 2017- 2018 لم تكن لتحدث بوجود مدرب ذا شخصية قادرة على احداث التغييرات التكتيكية داخل أرضية الملعب وإعادة التوازن للفريق في أشد اللحظات حرجًا، غير أن البرود التكتيكي والصمت الذي تحلى به فالفيردي في كثير من المباريات صنعت شكًلا هزيلًا للفريق وذا روح انهزامية تنتظر مصير خروجها في كل مرة دون أن تحرك ساكنًا، والاعتماد في أغلب الأوقات على صورة برشلونة الأسطورية في مواجهة الخصوم  خلال حقبة جوارديولا وجيل 2009 دون اللعب بواقعية اليوم وتحديد نقاط قوة وضعف الفريق، كل ذلك كان سببًا في خسارة برشلونة لألقابه الخارجية ووقوعه في فخ التخيلات لما كان لا لما هو كائن.


آخر الأخبار